مئات المدارس باتت ملاجئ للنازحين.. التعليم في لبنان يئن تحت نيران الحرب
مئات المدارس باتت ملاجئ للنازحين.. التعليم في لبنان يئن تحت نيران الحرب
منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، مرورًا بوباء كورونا، ووصولًا إلى الحرب التي اندلعت في 8 أكتوبر 2023، لم يسلم طلاب المدارس من تأثير هذه الأزمات المتلاحقة، حيث يعانون من تغيّب متقطع عن الدراسة منذ نحو 5 سنوات.
وبينما بدأت بعض المدارس التعليم عبر الإنترنت، أعلن وزير التربية عباس الحلبي أن العام الدراسي في المدارس الرسمية سيبدأ في 4 نوفمبر، وهو ما أثار التساؤلات حول مستقبل الطلاب في ظل غياب رؤية واضحة لدى الدولة اللبنانية لمواجهة هذه الأزمة.
مسؤولية المدارس كبيرة
في هذا السياق، أكد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان، الأب يوسف نصر، أن الاستقرار الأمني يمثل حاجة ملحة في ظل الحرب، مضيفاً: "إذا كان هناك تصعيد، سنرى كيفية التعامل مع الوضع بحكمة ومسؤولية، دون تعريض أي أحد للخطر"، وأشار إلى إمكانية التعليم المدمج بين الحضوري وعبر الإنترنت إذا طال الوضع، للحفاظ على سلامة الجميع.
وأوضح نصر في حديثه مع "جسور بوست" أن مسؤولية المدارس مستمرة، حتى في ظل الأزمة وبالإمكانات المتاحة، مشددًا على أن كل مدير يعرف ظروف مدرسته وكيفية التكيف مع الوضع، سواء عبر التعليم الحضوري أو المدمج أو عبر الإنترنت.
التعليم عبر الإنترنت
ورداً على سؤال حول فاعلية التعليم عبر الإنترنت، أشار نصر إلى أنه ليس خيارًا مثاليًا، لكنه أفضل من غياب التعليم كليًا في ظل عدم إمكانية التنقل، وأوضح أن التعليم عبر الإنترنت أنقذ العام الدراسي للطلاب في المناطق الحدودية العام الماضي.
وأشار نصر إلى أن التشاور مستمر مع وزارة التربية لوضع خطة شاملة لاستيعاب التلاميذ النازحين، مؤكدًا ضرورة تخصيص جزء من المساعدات لدعم التعليم، الذي يُعتبر حاجة أساسية لا تقل أهمية عن غيرها.
الخطة الحكومية
وكان وزير التربية عباس الحلبي قد كشف في تصريحات صحفية عن خطة لتوزيع التلاميذ والمدرسين النازحين على المدارس الخاصة بعد الظهر، مشيرًا إلى أن اليونيسف ستمول طباعة الكتاب الوطني وتأمين الإنترنت، موضحا أن أكثر من 600 مدرسة و60 مؤسسة تعليم فني و19 مبنى تابعاً للجامعة اللبنانية باتت ملاذًا للعائلات النازحة التي تعاني نقصًا حادًا في الاحتياجات الأساسية.
آثار سلبية على الطلاب
وأكد المتحدث باسم هيئة مجالس الأهل وأولياء الأمور في المدارس الرسمية عبد المجيد المهباني، أن تجربة التعليم عبر الإنترنت كانت مليئة بالتحديات، فالطلاب عانوا من مشكلات في الالتزام والتركيز، وسط غياب بنية تحتية تقنية مناسبة، وأضاف أن هناك حاجة ملحة لتبسيط المناهج الدراسية وتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب لتسهيل عودتهم إلى المدارس.
وأشار المهباني في حديثه لـ"جسور بوست" إلى أن الأزمة الاقتصادية أثرت على قدرة الأسر على توفير الموارد التعليمية، مثل الكتب والمستلزمات الدراسية والتكنولوجيا اللازمة للتعليم عن بُعد، ما أدى إلى تأخير تعليم العديد من الطلاب.
وأضاف المهباني أن الانقطاع المطول عن الدراسة أثر بشكل كبير على الأداء الأكاديمي للطلاب، حيث أدى إلى فجوات معرفية قد تعوقهم في المستقبل المهني، كما أثّر التغيب على المهارات الاجتماعية للأطفال، الذين فقدوا فرص التفاعل مع أقرانهم ومعلميهم.
التداعيات النفسية للتغيب الطويل
بدورها، أكدت رئيسة قسم علم النفس التربوي في مركز "نفسانيون" نانسي قاروط، أن التغيب الطويل عن المدرسة يؤثر سلبًا على الأطفال، خاصة في ما يتعلق بفقدان المهارات الاجتماعية والدافعية للتعلم، وأوضحت أن الأطفال الذين انقطعوا عن المدرسة لفترات طويلة قد يواجهون صعوبات في العودة والتكيف مع الدراسة مجددًا.
وشددت قاروط على أهمية دور الأهل في توفير الدعم النفسي للأطفال خلال هذه الفترة الصعبة، مؤكدة أن الروتين اليومي والأنشطة المنزلية يمكن أن تسهم في تعزيز شعور الأطفال بالأمان، وأشارت إلى أهمية تشجيع الأطفال على التفاعل الاجتماعي والمشاركة في الأعمال التطوعية، لتطوير مهاراتهم المجتمعية.
التعليم البديل ضرورة المرحلة
وأوضحت قاروط أن التعليم الحضوري أفضل بكثير من التعليم عبر الإنترنت، لكنه قد لا يكون دائمًا ممكنًا في الظروف الحالية، وأكدت ضرورة التركيز على التعليم البديل والأنشطة غير المنهجية، التي تساعد الأطفال على تطوير مهاراتهم الأساسية، حتى في ظل الأزمات.
من جانبها، أكدت المرشدة التربوية آمنة برغل لـ"جسور بوست" أن الغياب المستمر عن المدرسة أدى إلى فقدان تعليمي كبير لدى الطلاب، مشيرة إلى أن المعلمين كانوا يضطرون لإعادة تعليم الطلاب أساسيات مثل الحروف الأبجدية.
وأوضحت أن تقليص المناهج بسبب الأزمة قد يؤثر سلبًا على التحصيل الدراسي للطلاب، خاصة عند دخولهم الجامعة.
التعليم عن بُعد.. تحديات وفرص
وأوضحت برغل أن التعليم عن بُعد ممكن بشرط توفر الأدوات اللازمة، لكنها أشارت إلى أن البنية التحتية في لبنان، مثل الإنترنت والكهرباء، تعاني من مشكلات كبيرة، مؤكدة ضرورة تحسين هذه البنية لضمان استمرارية التعليم في المستقبل.
حلول للأزمة التعليمية
وشددت برغل على أهمية وضع خطط تعليمية بديلة لضمان عدم انقطاع التعليم في المستقبل، مع التركيز على تطوير المناهج وتكييفها مع الظروف الحالية، وتحسين البنية التحتية وتطوير الوسائل التعليمية لضمان استمرارية التعليم في أي ظرف طارئ.
في ظل الظروف الحالية، يبقى مصير التعليم في لبنان مرتبطًا بالتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد، مما يجعل الحاجة إلى خطط بديلة وحلول جذرية أمرًا ملحًا لضمان مستقبل أفضل للطلاب.